يبدو سؤال ماذا لو كان كل من حولنا أعمياء، سؤالا بديهيا
بسيطا، لا يحتاج عناء طرحه ولا عناء الإجابة عنه، لكن سنرى بأنه سؤال أكثر من
مشروع، وأنه يحتوي في طياته على مفارق وجودية، تنطلق من واقع وجود الآخر بقربنا.
إن السؤال هنا ربما سيبرر ما قال به سارتر وهو قوله المشهور: "الآخرون هم
الجحيم"، إننا هنا سنقارب السؤال من زاويتين واحد اجتماعية والأخرى
سيكولوجية.
إذا كان كل الأشخاص الذين من حولنا أعمياء، فإن ما
سيتغير هو النظرة، فلن يجد الآخر بما يراقبنا به وبما يلاحظنا به. وإذا زالت نظرة
الآخر زال معها السلب لحريتنا، إذا هذا السؤال يمكن أن نعيد صياغتها ونحتفظ
بمضمونه ونقول: ماذا لو امتلكنا كل حريتنا في الممارسة والسلوك؟ ماذا سنفعل؟
هناك مجموعة من السلوكات والتصرفات لا نقوم بها إلا لأن
الآخر يراقبنا باستمرار داخل المجتمع، أو داخل الجماعة، بل وحتى داخل بيوتنا كما
يقول رائد مدرسة التحليل النفسي سيغموند فرويد.فمثلا لو أنني افترضت بأنني سأخرج
إلى مكان لا يوجد فيه أي شخص، أو كان كل الأشخاص فيه أعمياء، فأنا لن أكون مضطرا
للباس ثياب أنيقة، لن أعتني بمظهري، بل قد أصل إلى حد القول يمكن أن أرتدي حذائين
مختلفين، أو لن أرتديهما قط، ويمكن أن نذهب إلى حد القول بأن يمكن أن أخرج من دون
ثياب, لماذا؟ تأتي الثياب من أجل تأدية مجموعة من الوظائف، من بينها الحماية من
رداءة الطقس، فالإنسان يرتدي من أجل أن يحتمي من انخفاض درجة الحرارة، لكن هناك
وظيفة مرتبط بنظرة الآخر لنا، وهي وظيفة ستر العورة، لكن ستر العورة يعني ستر
عورتي أنا وحجبها على نظرة الآخر، فنحن نخجل من عوراتنا أمام الآخر/الغير، وليس من
أنفسنا. من هنا يظهر لنا كيف أنه يمكن أن نسير عريانا إذا كنا نعيش في عالم من
الأشخاص العمي، لأننا لن نخجل، لن نخجل لأن الآخرين ببساطة لن يرونا عريانا.
تتجل سلبية وجود الغير في كونه يسكننا في دواخلنا، إننا
نترك الغير خارج المنزل، لكنها يدخل معنا إلى بيوتنا رغما عنا، كيف ذلك؟ إذا لا
حظت أننا نكون أحيانا لوحدنا في بيوتنا، لكننا عندما ندخل الحمام نقوم بإغلاق
الباب رغم أننا لوحدنا، السؤال هنا هو: لماذا نغلق الباب؟ ببساطة لأننا نستشعر
وجود الآخر/ الغير معنا.
زد على ذلك، أن وقوفنا أمام المرآة هو وقوف أمام الغير،
فنحن حين نتزين فنحن نتزين للغير، ونقول في لاوعينا، يجب ألا يراني هكذا، هكذا
سيراني أجمل، إن هذه القبعة تقليدية وليست معاصرة ولا تتبع موضة العصر، ...
إذن، ماهي الاشياء التي ستفعلها لو كنت محاطا
بالاعمياء؟إقرأ أيضا:
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق